كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فَهَذِهِ مُعَامَلَةُ غَالِبِ النَّاسِ عِنْدَنَا مِنْ أَغْنِيَاءَ، وَفُقَرَاءَ فِي حَالَةِ التَّزَوُّجِ بِالْمُتَعَدِّدَاتِ؛ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا حِكْمَةَ اللهِ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ بَلِ اتَّخَذُوهُ طَرِيقًا لِصَرْفِ الشَّهْوَةِ، وَاسْتِحْصَالِ اللَّذَّةِ لَا غَيْرَ، وَغَفَلُوا عَنِ الْقَصْدِ الْحَقِيقِيِّ مِنْهُ، وَهَذَا لَا تُجِيزُهُ الشَّرِيعَةُ، وَلَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ. فَاللَّازِمُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ إِمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ إِذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعَدْلِ- كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ- عَمَلًا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ بِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} وَأَمَّا آيَةُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِآيَةِ فَإِنْ خِفْتُمْ وَإِمَّا أَنْ يَتَبَصَّرُوا قَبْلَ طَلَبِ التَّعَدُّدِ فِي الزَّوْجَاتِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَرْعًا مِنَ الْعَدْلِ، وَحِفْظِ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ، وَحِفْظِ النِّسَاءَ مِنَ الْغَوَائِلِ الَّتِي تُؤَدِّي بِهِنَّ إِلَى الْأَعْمَالِ غَيْرِ اللَّائِقَةِ، وَلَا يَحْمِلُوهُنَّ عَلَى الْإِضْرَارِ بِهِمْ وَبِأَوْلَادِهِمْ، وَلَا يُطَلِّقُوهُنَّ إِلَّا لِدَاعٍ وَمُقْتَضٍ شَرْعِيٍّ شَأْنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللهَ، وَيُوَقِّرُونَ شَرِيعَةَ الْعَدْلِ، وَيُحَافِظُونَ عَلَى حُرُمَاتِ النِّسَاءِ، وَحُقُوقِهِنَّ، وَيُعَاشِرُونَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُفَارِقُونَهُنَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَهَؤُلَاءِ الْأَفَاضِلُ الْأَتْقِيَاءُ لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النِّسْوَةِ إِلَى الْحَدِّ الْمُبَاحِ شَرْعًا، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا عَدَدًا قَلِيلًا فِي كُلِّ بَلَدٍ، وَإِقْلِيمٍ لَكِنَّ أَعْمَالَهُمْ وَاضِحَةُ الظُّهُورِ تَسْتَوْجِبُ لَهُمُ الثَّنَاءَ الْعَمِيمَ، وَالشُّكْرَ الْجَزِيلَ، وَتُقَرِّبُهُمْ مِنَ اللهِ الْعَادِلِ الْعَزِيزِ. انْتَهَى كَلَامُ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ، وَفِيهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ، وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي تَفْسِيرِ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} [4: 129] وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ التَّعَدُّدَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَخِلَافُ الْكَمَالِ، وَيُنَافِي سُكُونَ النَّفْسِ، وَالْمَوَدَّةَ، وَالرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ أَرْكَانُ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ زَوَاجِ مَنْ لَمْ يُقِمْهَا وَبَيْنَ ازْدِوَاجِ الْعَجْمَاوَاتِ، وَنَزَوَانِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ مَعَ الثِّقَةِ بِمَا اشْتَرَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ فِيهِ مِنَ الْعَدْلِ، وَمَرْتَبَةُ الْعَدْلِ دُونَ مَرْتَبَةِ سُكُونِ النَّفْسِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَلَيْسَ وَرَاءَهُ إِلَّا ظُلْمُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ، وَامْرَأَتِهِ، وَوَلَدِهِ، وَأُمَّتِهِ، وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
وَأَمَّا حِكْمَةُ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهَا مَا هُوَ كَفَالَةُ بَعْضِ النِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَمِنْهَا مَا لَهُ سَبَبٌ سِيَاسِيٌّ، أَوْ عِلْمِيٌّ دِينِيٌّ. وَقَدْ سَبَقَ لَنَا فَتْوَى فِي ذَلِكَ نُشِرَتْ فِي الْمُجَلَّدِ الْخَامِسِ مِنَ الْمَنَارِ (ص699) وَهَذَا نَصُّ السُّؤَالِ، وَالْجَوَابِ.
(تَعَدُّدُ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (س) مُصْطَفَى أَفَنْدِي رُشْدِي الْمِرْلِيُّ بِالزَّقَازِيقِ: مَا هِيَ الْحِكْمَةُ فِي تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِمَّا أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ الشَّرِيفُ لِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ فَمَا دُونَهَا وَتَعَيُّنُ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ خَوْفِ الْخُرُوجِ عَنِ الْعَدْلِ؟
(ج) إِنَّ الْحِكْمَةَ الْعَامَّةَ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ فِي سِنِّ الْكُهُولَةِ، وَالْقِيَامَ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ، وَالِاشْتِغَالَ بِسِيَاسَةٍ، وَمُدَافَعَةِ الْمُعْتَدِينَ دُونَ سِنِّ الشَّبَابِ، وَرَاحَةِ الْبَالِ هِيَ السِّيَاسَةُ الرَّشِيدَةُ، فَأَمَّا خَدِيجَةُ، وَهِيَ الزَّوْجُ الْأُولَى فَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِيَارِهَا وَرَاءَ سُنَّةِ الْفِطْرَةِ مَعْرُوفَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ مَوْضُوعِ السُّؤَالِ.
وَقَدْ عَقَدَ بَعْدَ وَفَاتِهَا عَلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ وَكَانَتْ قَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِيَارِهَا أَنَّهَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ الْهَاجِرَاتِ لِأَهْلِيهِنَّ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، وَلَوْ عَادَتْ إِلَى أَهْلِهَا بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا (وَكَانَ ابْنَ عَمِّهَا) لَعَذَّبُوهَا وَفَتَنُوهَا فَكَفَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَافَأَهَا بِهَذِهِ الْمِنَّةِ الْعَظِيمَةِ.
ثُمَّ بَعْدَ شَهْرٍ عَقَدَ عَلَى عَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحِكْمَةِ فِي التَّزَوُّجِ بِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بِبَدْرٍ، وَهِيَ إِكْرَامُ صَاحِبَيْهِ وَوَزِيرَيْهِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا)، وَإِقْرَارُ أَعْيُنِهِمَا بِهَذَا الشَّرَفِ الْعَظِيمِ، (كَمَا أَكْرَمَ عُثْمَانَ، وَعَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- بِبَنَاتِهِ، وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ أَصْحَابِهِ، وَأَخْلَصُهُمْ خِدْمَةً لِدِينِهِ).
وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَالْحِكْمَةُ فِيهِ تَعْلُو كُلَّ حِكْمَةٍ، وَهِيَ إِبْطَالُ تِلْكَ الْبِدَعِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ لَاحِقَةً بِبِدْعَةِ التَّبَنِّي كَتَحْرِيمِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجَةِ الْمُتَبَنَّى بَعْدَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ نَشَرْنَا فِي الْمُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنَ الْمَنَارِ مَقَالَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَدُهُمَا لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ، فَلْيُرَاجِعْهُمَا السَّائِلُ هُنَاكَ.
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ الْحِكْمَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِجُوَيْرِيَةَ، وَهِيَ بَرَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَسَرُوا مِنْ قَوْمِهَا مِائَتَيْ بَيْتٍ بِالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْتِقَ الْمُسْلِمُونَ الْأَسْرَى فَتَزَوَّجَ بِسَيِّدَتِهِمْ، فَقَالَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ: أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي أَسْرُهُمْ وَأَعْتَقُوهُمْ، فَأَسْلَمَ بَنُو الْمُصْطَلِقِ- لِذَلِكَ- أَجْمَعُونَ، وَصَارُوا عَوْنًا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُحَارِبِينَ لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ لِذَلِكَ أَثَرٌ حَسَنٌ فِي سَائِرِ الْعَرَبِ.
وَقَبْلَ ذَلِكَ تَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ بَعْدَ قَتْلِ زَوْجِهَا عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فِي (أُحُدٍ)، وَحِكْمَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ مِنْ فُضْلَيَاتِ النِّسَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى كَانُوا يَدْعُونَهَا أُمَّ الْمَسَاكِينِ لِبِرِّهَا بِهِمْ، وَعِنَايَتِهَا بِشَأْنِهِمْ، فَكَافَأَهَا- عَلَيْهِ التَّحِيَّةُ وَالسَّلَامُ- عَلَى فَضَائِلِهَا بَعْدَ مُصَابِهَا بِزَوْجِهَا بِذَلِكَ، فَلَمْ يَدَعْهَا أَرْمَلَةً تُقَاسِي الذُّلَّ الَّذِي كَانَتْ تُجِيرُ مِنْهُ النَّاسَ، وَقَدْ مَاتَتْ فِي حَيَاتِهِ.
وَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا أُمَّ سَلَمَةَ (وَاسْمُهَا هِنْدٌ) وَكَانَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا (عَبْدُ اللهِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ أَسَدِ ابْنُ عَمَّةِ الرَّسُولِ بَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ) أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ زَوْجَهَا وَتُجِلُّهُ، حَتَّى إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ خَطَبَاهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمْ تَقْبَلْ، وَلَمَّا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلِي اللهَ أَنْ يَأْجُرَكِ فِي مُصِيبَتِكِ وَيُخْلِفَكِ خَيْرًا قَالَتْ: وَمَنْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَمِنْ هُنَا يَعْلَمُ السَّائِلُ وَغَيْرُهُ مِقْدَارَ مُصَابِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْفَاضِلَةِ بِزَوْجِهَا، وَقَدْ رَأَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا عَزَاءَ لَهَا عَنْهُ إِلَّا بِهِ، فَخَطَبَهَا فَاعْتَذَرَتْ بِأَنَّهَا مُسِنَّةٌ وَأُمُّ أَيْتَامٍ، فَأَحْسَنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَوَابَ- وَمَا كَانَ إِلَّا مُحْسِنًا- وَتَزَوَّجَ بِهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ الزَّوَاجَ لَيْسَ لِأَجْلِ التَّمَتُّعِ الْمُبَاحِ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ لِفَضْلِهَا الَّذِي يَعْرِفُهُ الْمُتَأَمِّلُ بِجَوْدَةِ رَأْيِهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلِتَعْزِيَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا زَوَاجُهُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ رَمْلَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَلَعَلَّ حِكْمَتَهُ لَا تَخْفَى عَلَى إِنْسَانٍ عَرَفَ سِيرَتَهَا الشَّخْصِيَّةَ، وَعَرَفَ عَدَاوَةَ قَوْمِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَرَغْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ، كَانَتْ رَمْلَةُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى الْحَبَشَةِ الثَّانِيَةِ فَتَنَصَّرَ هُنَاكَ، وَثَبَتَتْ هِيَ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَانْظُرُوا إِلَى إِسْلَامِ امْرَأَةٍ يُكَافِحُ أَبُوهَا بِقَوْمِهِ النَّبِيَّ وَيَتَنَصَّرُ زَوْجُهَا، وَهِيَ مَعَهُ فِي هِجْرَةٍ مَعْرُوفٍ سَبَبُهَا، أَمِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ تُضَيَّعَ هَذِهِ الْمُؤْمِنَةُ الْمُوقِنَةُ بَيْنَ فِتْنَتَيْنِ؟ أَمْ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ يَكْلُفَهَا مَنْ تَصْلُحُ لَهُ وَهُوَ أَصْلَحُ لَهَا؟
كَذَلِكَ تَظْهَرُ الْحِكْمَةُ فِي زَوَاجِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ سَيِّدِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَدْ قُتِلَ أَبُوهَا مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقُتِلَ زَوْجُهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَكَانَ أَخَذَهَا دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ فَقَالَ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا سَيِّدَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ، فَاسْتَحْسَنَ رَأْيَهُمْ، وَأَبَى أَنْ تُذَلَّ هَذِهِ السَّيِّدَةُ بِأَنْ تَكُونَ أَسِيرَةً عِنْدَ مَنْ تَرَاهُ دُونَهَا فَاصْطَفَاهَا، وَأَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، وَوَصَلَ سَبَبَهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُنْزِلُ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ.
وَآخِرُ أَزْوَاجِهِ مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ «وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا مَيْمُونَةَ»، وَالَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَيْهِ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا الثَّانِي أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَهِيَ خَالَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَا أَدْرِي هَلْ كَانَتِ الْحِكْمَةُ فِي تَزَوُّجِهِ بِهَا تَشَعُّبُ قَرَابَتِهَا فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي مَخْزُومٍ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ؟
وَجُمْلَةُ الْحِكْمَةِ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاعَى الْمَصْلَحَةَ فِي اخْتِيَارِ كُلِّ زَوْجٍ مِنْ أَزْوَاجِهِ (عَلَيْهِنَّ الرِّضْوَانُ) فِي التَّشْرِيعِ، وَالتَّأْدِيبِ فَجَذَبَ إِلَيْهِ كِبَارَ الْقَبَائِلِ بِمُصَاهَرَتِهِمْ، وَعَلَّمَ أَتْبَاعَهُ احْتِرَامَ النِّسَاءِ وَإِكْرَامَ كَرَائِمِهِنَّ، وَالْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ، وَقَرَّرَ الْأَحْكَامَ بِذَلِكَ، وَتَرَكَ مِنْ بَعْدِهِ تِسْعَ أُمَّهَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ يُعَلِّمْنَ نِسَاءَهُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يَلِيقُ بِهِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّمْنَهُ مِنَ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، وَلَوْ تَرَكَ وَاحِدَةً فَقَطْ لَمَا كَانَتْ تُغْنِي فِي الْأُمَّةِ غِنَاءَ التِّسْعِ، وَلَوْ كَانَ عليه السلام أَرَادَ بِتَعَدُّدِ الزَّوَاجِ مَا يُرِيدُهُ الْمُلُوكُ، وَالْأُمَرَاءُ مِنَ التَّمَتُّعِ بِالْحَلَالِ فَقَطْ لَاخْتَارَ حِسَانَ الْأَبْكَارِ عَلَى أُولَئِكَ الثَّيِّبَاتِ الْمُكْتَهِلَاتِ كَمَا قَالَ لِمَنِ اخْتَارَ ثَيِّبًا: هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا فِي حِكْمَةِ التَّعَدُّدِ، وَإِنَّ أَسْرَارَ سِيرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى مِنْ أَنْ تُحِيطَ بِهَا كُلِّهَا أَفْكَارُ مِثْلِنَا اهـ.
وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي تُبِيحُ التَّعَدُّدَ بِغَيْرِ حَصْرٍ، وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعَةً مِنْهُنَّ، وَيُسَرِّحَ الْأُخْرَيَاتِ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُنَّ يُمْسِكُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ أَوَّلًا إِنْ عَلِمَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ كَانَ مُكَلَّفًا أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مُوَافِقًا لِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَالْمَأْثُورُ فِي كُتُبِ السُّنَنِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا- وَفِي لَفْظٍ آخَرَ- أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ وَرُوِيَ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدَّيْلَمِيِّ، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَسَدِيِّ حِينَ أَسْلَمَا، وَكَانَ عِنْدَ الْأَوَّلِ خَمْسٌ، وَعِنْدَ الثَّانِي ثَمَانٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِمْسَاكَ الْأَرْبَعِ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ، وَالثِّقَةُ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَمَا مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَرْبَعٍ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِنَّ هُوَ عُمْدَةُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ، لَا لِأَنَّ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، بَلْ لِأَنَّ الْعَدَدَ عِنْدَهُمْ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَذِكْرُ الْأَرْبَعِ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْخَمْسِ فَأَكْثَرَ، فَلَمَّا حَتَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَلَّا يُمْسِكُوا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فِي الْآيَةِ مِنَ الْإِجْمَالِ، وَاحْتِمَالِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ، وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْأُصُولِ قَائِلُونَ بِجَوَازِ بَيَانِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ، وَمَا وَرَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ سُنَّةٌ عَمَلِيَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَهِيَ أَقْوَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَنَا، وَقَدْ أَوَّلَ ذَلِكَ الْمُجَوِّزُونَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ- كَبَعْضِ الشِّيعَةِ- بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِمُفَارَقَةِ مَا زَادَ عَنِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهُنَّ كَانَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ الذَّاتِيِّ كَالنَّسَبِ الْقَرِيبِ وَالرَّضَاعِ.
وَهُوَ تَأْوِيلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قِيلَ فِي الِاحْتِمَالِ لَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْتَرْ أَرْبَعًا أَوْ أَمْسِكْ أَرْبَعًا»، فَالِاخْتِيَارُ وَتَنْكِيرُ لَفْظِ أَرْبَعٍ كُلٌّ مِنْهُمَا يَأْبَى مَا قِيلَ فِي التَّأْوِيلِ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ لَا يَتِمُّ مَعَ مُخَالَفَةِ الشِّيعَةِ فِي ذَلِكَ، أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ وَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَقُولُوا مَا قَالُوا فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْ فُرُوعِهَا أَنَّ الْخِطَابَ فِيهَا لِلْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ خِلَافُ مَقْصِدِ الشَّرْعِ وَخِلَافُ الْأَصْلِ، فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي مُخَاطَبَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْحُكْمِ مِنَ الْأَزْوَاجِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} لِلْوُجُوبِ، فَالزَّوَاجُ وَاجِبٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوَاجُ أَعْظَمَ سُنَنِ الْفِطْرَةِ الَّتِي رَغَّبَ فِيهَا دِينُ الْفِطْرَةِ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ: النُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ (مَا) عَلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ: {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وَهِيَ إِرَادَةُ الْوَصْفِ كَأَنَّهُ قَالَ: {فَانْكِحُوا} أَيَّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِهِنَّ مِنَ الثَّيِّبَاتِ وَالْأَبْكَارِ وَذَوَاتِ الْجَمَالِ وَذَوَاتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ كَلِمَةُ مَا أَوْ تَغْلِبُ فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ إِذَا أُرِيدَ بِهَا الذَّاتُ لَا الْوَصْفُ. فَيَقُولُ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ فِي السُّؤَالِ عَنْ ذَاتِهِ، وَشَخْصِهِ وَتَقُولُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فِي السُّؤَالِ عَنْ صِفَتِهِ وَنَعْتِهِ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ النُّكْتَةَ فِي ذَلِكَ هِيَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ فَأُنْزِلْنَ مَنْزِلَةَ غَيْرِ الْعَاقِلِ يَأْبَاهُ هَذَا الْمَقَامُ الَّذِي قُرِّرَ فِيهِ تَكْرِيمُهُنَّ، وَحِفْظُ حُقُوقِهِنَّ، وَحُرِّمَ فِيهِ ظُلْمُهُنَّ، وَمِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} و(أَوْ) فِيهِ لِلتَّسْوِيَةِ يَعْنِي إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَأَنْتُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالتَّسَرِّي. وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّ الْوَاحِدَةَ يَطْلُبُ فِي نِكَاحِهَا الْعَدْلَ، فَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِلَ فِي مُعَامَلَتِهَا لَجَأَ إِلَى التَّسَرِّي، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ الْجَمَاهِيرُ الْعَجْزَ عَنِ التَّزَوُّجِ بِالْحُرَّةِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ لَا فِي التَّسَرِّي بِهَا، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [4: 25] الْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} هَذَا حُكْمٌ آخَرُ مِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ يُرَجِّحُ كَوْنَ هَذِهِ الْآيَةِ نَزَلَتْ فِيهِنَّ لَا أَنَّ حُكْمَ تَعَدُّدِهِنَّ فِي الزَّوْجِيَّةِ جَاءَ عَرَضًا وَتَبَعًا لِأَحْكَامِ الْيَتَامَى مِنْهُنَّ، أَيْ وَأَعْطُوا النِّسَاءَ اللَّوَاتِي تَعْقِدُونَ عَلَيْهِنَّ مُهُورَهُنَّ نِحْلَةً، أَيْ عَطَاءَ نِحْلَةٍ، أَيْ فَرِيضَةً لَازِمَةً عَلَيْكُمْ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيحٍ: فَرِيضَةً مُسَمَّاةً، وَقِيلَ: دِيَانَةً مِنَ النِّحْلَةِ بِمَعْنَى الْمِلَّةِ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النِّحْلَةَ: الْمَهْرُ. وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمُفْرَدَاتِ أَنَّ النِّحْلَةَ تُطْلَقُ عَلَى مَا يَنْحُلُهُ الْإِنْسَانُ وَيُعْطِيهِ هِبَةً عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِدُونِ مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هُنَا.